فصل: فصل في أسرار ترتيب السورة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من مجازات القرآن في السورة الكريمة:

قال ابن المثنى:
سورة عبس 80:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قوله: {تصدى} (6) تعرّض له..
{تَلَهَّى} (10) تغافل بغيره..
{إِنَّها تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ} (11، 12) فمن شاء ذكره القرآن..
{بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} (15) أي كتبة واحدها سافر..
{ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ} (21) أمر بأن يقبر قالت بنو تميم لعمر بن هبيرة لما قتل صالح بن عبد الرحمن: أقبرنا صالحا قال: دونكموه، والذي يدفن بيده هو القابر قال الأعشى:
لو أسندت ميتا إلى نحرها ** عاش ولم ينقل إلى قابر

[929].
{أَنْشَرَهُ} (22) أحياه، ولنشر الميت حيى نفسه قال الأعشى:
حتى يقول الناس مما رأوا ** يا عجبا للميّت الناشر

(609).
{حَدائِقَ غُلْباً} (30) يقال: نخلة وشجرة غلباء إذا كانت غليظة..
{فاكِهَةً وَأَبًّا} (31) وأما الأبّ كل مرعى للهوام..
{تَرْهَقُها قَتَرَةٌ} (41) الغبرة. اهـ.

.فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة:

قال محمد الغزالي:
سورة عبس:
كان النبي صلى الله عليه وسلم مشغولا بدعوة نفر من كبراء قريش إلى الإسلام، لأنهم إذا اهتدوا تبعتهم جماهير في اعتناق هذا الدين، فجاء عبد الله بن أم مكتوم الأعمى- وهو يجادل القوم- طالبا الهدى والتحدث مع النبى، فضاق النبي به، وقطب جبينه ومضى في حديثه مع الكبراء المشركين! فنزلت السورة {عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى} وقد استمع النبي الكريم إلى هذا العتاب، ثم أحسن استقبال عبد الله بعد. وكان يقول له: مرحبا بمن عاتبنى فيه ربى. وكان إذا غاب عن المدينة- بعد الهجرة- يوليه إمارتها حتى يعود!! ثم مضت السورة تشرح طبيعة البلاغ الإلهى. إنه آيات تسمع، أو صحف تقرأ يعرضها سفرة كرام بررة، يعنى كتبة الوحى وحفظة القرآن. وعلى من أتاه البلاغ أن يتدبر ويعى ويفر إلى الله ويستعد للقائه! لكن هل جمهرة البشر هكذا؟ كم ترى إنسانا مغلق الذهن يضرب الأرض بقدميه ولا يدرى كيف جاء إلى الدنيا. لقد بدأ قطرة ماء ثم نما فصار شخصا سويا. من أفرغه في هذا الكيان، ووهب له تلك الصورة؟ كيف نسى ربه ولى أمره ونعمته؟ {من أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقدره ثم السبيل يسره ثم أماته فأقبره ثم إذا شاء أنشره}. إن الإنسان يغفل عن ذلك كله، ولا يفكر إلا في بلوغ غاياته وقضاء لباناته، كما قال الشاعر: إذا جاء هذا الموت لم ألف حاجة لنفسى إلا قد قضيت قضاءها! فهل قضى لله حقا؟ {كلا لما يقض ما أمره}. والجدال مع المشركين والكفرة في كل عصر يقوم على البعث والجزاء، فهم ما يؤمنون إلا بدنياهم الحاضرة فجاء القرآن بأحد أدلة البعث المشهودة ليعرفوا ربهم ويأخذوا أهبتهم للقائه {فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا}.
كيف خلقت هذه السنابل الحافلة والعناقيد الزاهية؟ وكيف توزعت عليها الحلاوة والعطور والأذواق؟ إن مبدع ذلك من الأتربة والأرواث هو الذي سينبت الأجساد مرة أخرى، ثم يواجه كل إنسان ما قدم. {فإذا جاءت الصاخة يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه} إن البشر محجوبون بمشاغلهم العاجلة وأفقهم القريب عن الجنة والنار والثواب والعقاب {وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة}. المحزن في عصرنا أن التقدم العلمى يبحث مكانه ولا يريد أن يعرف ما وراءه، ولذلك يستبعد الحديث عن الآخرة ولا يعرض له في مجلس جاد.. اهـ.

.في رياض آيات السورة الكريمة:

.فصل في أسرار ترتيب السورة:

قال السيوطي:
سورة عبس:
أقول: وجه وضعها عقب النازعات مع تآخيهما في المقطع، لقوله هناك: {فإِذا جاءتِ الطامة} وقوله هنا: {فإِذا جاءت الصاخة} وهما من أسماء يوم القيامة. اهـ.

.تفسير الآيات (1- 10):

قوله تعالى: {عبس وَتولى (1) أَنْ جاءه الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لعله يَزَّكَّى (3) أَوْ يذكر فتنفعه الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تصدى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
(بسم الله) الذي له القدرة البالغة والحكمة الباهرة (الرحمن) الذي عم بنعمة الإيجاد الظاهرة ثم بآيات البيان الزاهرة، (الرحيم) الذي خص أولياءه بأن أتم نعمته عليهم، فكانت بهم إلى مرضاته سائرة.
لما قصره سبحانه على إنذاره من يخشى، وكان قد جاءه صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أم مكتوم الأعمى رضي الله تعالى عنه، وكان من السابقين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم حين مجيئه مشتغلاً بدعاء ناس من صناديد قريش إلى الله تعالى، وقد وجد منهم نوع لين، فشرع عبد الله رضي الله عنه يسأله وهو لا يعلم ما هو فيه من الشغل، يسأله أن يقرئه ويعلمه مما عمله الله فكره أن يقطع كلامه مع أولئك خوفاً من أن يفوته منهم ما يرجوه من إسلامهم المستتبع لإسلام ناس كثير من أتباعهم، فكان يعرض عنه ويقبل عليهم، وتظهر الكراهة في وجهه، لاطفه سبحانه وتعالى بالعتاب عن التشاغل عن أهل ذلك بالتصدي لمن شأنه أن لا يخشى لافتتانه بزينة الحياة الدنيا وإقباله بكليته على ما يفنى، فقال مبيناً لشرف الفقر وعلو مرتبته وفضل أهل الدين وإن هانوا، وخسة أهل الدنيا وإن زانوا، معظماً له صلى الله عليه وسلم بسياق الغيبة كما قال سعد بن معاذ رضي الله عنه لما حكم في بني قريظة: وعلى من ههنا- يشير إلى ناحية النبي صلى الله عليه وسلم وهو معرض عنها حياء منه صلى الله عليه وسلم وإجلالاً له: {عبس} أي فعل الذي هو أعظم خلقنا ونجله عن أن نواجهه بمثل هذا العتاب بوجهه فعل الكاره للشيء من تقطيب الوجه بما له من الطبع البشري حين يحال بينه وبين مراده، وآذن بمدحه صلى الله عليه وسلم بأن ذلك خلاف ما طبعه عليه سبحانه من رحمة المساكين ومحبتهم والسرور بقربهم وصحبتهم بقوله: {وتولى} أي كلف نفسه الإعراض عنه رجاء أن يسلم أولئك الأشراف الذين كان يخاطبهم فيتأيد بهم الإسلام ويسلم بإسلامهم أتباعهم فتعلو كلمة الله لأجل {أن جاءه الأعمى} الذي ينبغي أن يبالغ في العطف عليه وفي إكرامه جبراً لكسره واعترافاً بحقه في مجيئه، وذكره بالوصف للإشعار بعذره في الإقدام على قطع الكلام والبعث على الرأفة به والرحمة له، فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا رآه بعد ذلك قال: «مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي» واستخلفه على المدينة الشريفة عند غزوه مرتين، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: «ورأيته يوم القادسية عليه درع ومعه راية سوداء رضي الله عنه».
ولما عرف بسياق الغيبة ما أريد من الإجلال، وكان طول الإعراض موجباً للانقباض، أقبل عليه صلى الله عليه وسلم فقال: {وما يدريك} أي وأي شيء يجعلك دارياً بحاله وإن اجتهدت في ذلك فإن ذوات الصدور لا يعلمها إلا الله تعالى: {لعله} أي الأعمى {يزكى} أي يكون بحيث يرجى تطهره ونمو أحواله الصالحة بما يسمع منك ولو على أدنى الوجوه بما يشير إليه إدغام تاء الافتعال، وكذا قوله: {أو يذكر} أي أو يقع منه التذكر لشيء يكون سبباً لزكائه وتذكره ولو كان ذلك منه على أدنى الوجوه المخرجة من الكفر فإن الخير لا يحقر شيء منه، وسبب عن تزكيه وتذكره قوله: {فتنفعه} أي عقب تذكره وسببه {الذكرى} وفي ذلك إيماء إلى أن الإعراض كان لتزكية غيره وتذكره، وقراءة النصب على أنه جواب (لعل).
ولما ذكر العبوس والتولي عنه فافهما ضدهما لمن كان مقبلاً عليهم، بين ذلك فقال: {أما من استغنى} أي طلب الغنى وهو المال والثروة فوجده وإن لم يخش ولم يجئ إليك {فأنت له} أي دون الأعمى {تصدى} أي تتعرض بالإقبال عليه والاجتهاد في وعظه رجاء إسلامه وإسلام أتباعه بإسلامه وهم عتبة بن ربيعة وأبو جهل وأبي وأمية ابنا خلف، وأشار حذف تاء التفعل في قراءة الجماعة وإدغامها في قراءة نافع وابن كثير إلى أن ذلك كان على وجه خفيف كما هي عادة العقلاء.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما قال سبحانه: {إن في ذلك لعبرة لمن يخشى} [النازعات: 26] وقال بعد {إنما أنت منذر من يخشاها} [النازعات: 45] افتتحت هذه السورة الأخرى بمثال يكشف عن المقصود من حال أهل التذكر والخشية وجميل الاعتناء الرباني بهم وأنهم وإن كانوا في دنياهم ذوي خمول لا يؤبه لهم فهم عنده سبحانه في عداد من اختاره لعبادته وأهله لطاعته وإجابة رسوله صلى الله عليه وسلم وأعلى منزلته لديه «رب أشعث أغبر لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره» ومنهم ابن أم مكتوم الأعمى مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي بسببه نزلت السورة ووردت بطريق العتب وصاة لنبيه صلى الله عليه وسلم وتنبيهاً على أن يعمل نفسه الكريمة على مصابرة أمثال ابن أم مكتوم وأن لا يحتقر وحاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك، ولكن التحذير من هذا وإن لم يكن وقع يشعر بعظيم الاعتناء بمن حذر، ومنه قوله سبحانه: {لئن أشركت ليحبطن عملك} [الزمر: 65] و{لا تدع مع الله إلهاً آخر} [ص: 88] و{لا تمش في الأرض مرحًا} [لقمان: 18] وهو كثير، وبسط هذا الضرب لا يلائم مقصودنا في هذا التعليق، لما دخل عليه صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم سائلاً ومسترشداً وهو صلى الله عليه وسلم يكلم رجلاً من أشراف قريش وقد طمع في إسلامه ورجاء إنقاذه من النار وإنقاذ ذويه وأتباعه، فتمادى على طلبه هذا الرجل لما كان يرجوه ووكل ابن أم مكتوم إلى إيمانه فأغفل- فورية مجاوبته وشق عليه إلحاحه خوفاً من تفلت الآخرة ومضيه على عقبه وهلاكه عتب سبحانه وتعالى عليه فقال: {عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر} [عبس: 1- 4] وهي منه سبحانه واجبة، وقد تقدم في السورة قبل قول موسى عليه الصلاة والسلام {هل لك إلى أن تزكى} [النازعات: 18] فلم يقدر له بذلك ولا انتفع ببعد صيته في دنياه ولا أغنى عنه ما نال منها وبارت مواد تدبيره وعميت عليه الأنباء إلى أن قال: {ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحاً لعلي أطلع إلى إله موسى} [القصص: 38] {وإني لأظنه كاذباً وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل} [غافر: 37] فأنى يزكى؟ ولو سبقت له سعادة لأبصر من حاله عين اللهو وللعب حين مقالته الشنعاء {أم أنا خير من هذا الذي هو مهين} [الزخرف: 52].
ولما سبقت لابن أم مكتوم الحسنى لم يضره عدم الصيت الدنياوي ولا أخل به عماه بل عظّم ربه شأنه لما نزل في حقه {وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى} [عبس: 2- 4] فيا له صيتاً ما أجله بخلاف من قدم ذكره ممن طرد فلم يتزك ولم ينتفع بالذكرى حين قصد بها.
{إنما أنت منذر من يخشاها} [النازعات: 45] كابن أم مكتوم، ومن نمط ما نزل في ابن أم مكتوم قوله تعالى: {واصبر نفسك مع الذي يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} [الكهف: 28] وقوله: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} [الأنعام: 52] فتبارك ربنا ما أعظم لطفه بعبيده- اللهم لا تؤيسنا من رحمتك ولا تقنطنا من لطفك ولا تقطع بنا عنك بمنك وإحسانك- انتهى.
ولما كان فعله ذلك فعل من يخشى أن يكون عليه في بقائهم على كفرهم ملامة، بين له أنه سالم من ذلك فقال: {وما} أي فعلت ذلك والحال أنه ما {عليك} أي من بأس في {ألا يزكّى} أصلاً ورأساً ولو بأدنى تزك- بما أشار إليه الإدغام- إن عليك إلا البلاغ، ويجوز أن يكون استفهاماً أي وأي شيء يكون عليك في عدم تزكيه وفيه إشارة إلى أنه يجب الاجتهاد في تزكية التابع الذي عرف منه القبول.
ولما ذكر المستغني، ذكر مقابله فقال: {وأما من جاءك} حال كونه {يسعى} أي مسرعاً رغبة فيما عندك من الخير المذكر بالله وهو فقير {وهو} أي والحال أنه {يخشى} أي يوجد الخوف من الله تعالى ومن الكفار في أذاهم على الإتيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومن معاثر الطريق لعماه {فأنت عنه} أي خاصة في ذلك المجلس لكونه في الحاصل {تلهّى} أي تتشاغل لأجل أولئك الأشراف الذين تريد إسلامهم لعلو بهم الدين تشاغلاً حفيفاً بما أشار إليه حذف التاء، من لهى عنه كرضى- إذا سلى وغفل وترك، وفي التعبير بذلك إشارة إلى أن الاشتغال بأولئك لا فائدة فيه على ما تفهمه تصاريف المادة وإلى أن من يقصد الانسان ويتخطى رقاب الناس إليه له عليك حق عظيم، والآية من الاحتباك: ذكر الغنى أولاً يدل على الفقر ثانياً، وذكر المجيء والخسية ثانياً يدل على ضدهما أولاً، وسر ذلك التحذير مما يدعو إليه الطبع البشري من الميل إلى الأغنياء، ومن الاستهانة بحق الآتي إعظاماً لمطلق إتيانه. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

كل آيات هذه السورة في الإمالة والتفخيم مثل سورة طه {فتنفعه} بالنصب على أنه جواب لعل: عاصم غير الأعشي {تصدى} بتشديد الصاد للإدغام: أبو جعفر ونافع وابن كثير. الآخرون: بتخفيفها بناء على حذف تاء تتفعل أو الخطاب عنه {تلهى} بإشباع ضمة الهاء وتشديد التاء: البزي وابن فليح {أنا} بالفتح على البدل من الطعام: عاصم وحمزة وخلف.